قصتنا تحكي اشارة على أنّ الله عزوجل اجرى سنته الخالدة على المترفين " لئن شكرتم لأزيدنكم, ولئن كفرتم انّ عذابي لشديد "
هذه هي السنة الالهية في الخلق والتي هي جارية الى يوم القيامة ولن تجد لسنة الله تحويلا ولن تجد لسنة الله تبديلا
ونافذة على كل من يُنكر حق الله عزوجل في المال الذي وهبه الله اياه ، كما في قوله تعالى في سورة الاسراء 16
{ واذا أردنا أنْ نُهلكَ قريةً أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القولُ فدمرناها تدميرا }
وقد بيّن الله عزوجل من خلال سياق القصة أنّ فيها من البلاء والاختبار ما يدعو الى العظة والاعتبار
ومن يتابع أحداث هذه القصة سيلمس وبسهولة مناسبة هذه القصة
* * *
* موقع القصة في القرآن الكريم *
وردت قصة أصحاب الجنة في سورة القلم حيث يقول المولى تبارك وتعالى ...
بسم الله الرحمن الرحيم
صدق الله العظيم
* تفاصيل القصة *
أجمع المفسرون رحمهم الله على أنّ القرية التي كان يعيش فيها اصحاب الجنة هي احدى قرى اليمن - قرية ضروان -
في هذه القرية كان يعيش رجل صالح في دينه صالح في خلقه, وقد آتاه الله عزوجل ثروة عظيمة عريضة, وسمعة طيبة ومكانة واحتراما بين الناس
كان هذا الرجل الصالح يملك أرضاً زراعيّة كان قدْ حوّلها بجهده وكدّه وعرقه الى حديقة غنّاء, وجنّةٍ أرضيةٍ فينانة دانية القطوف
فوّاحة الزهر, قد رقّت حواشيها, وتأنق واشيها, وجرى الماء في سواقيها عذباً رقراقاً ينتقل النسيم العليل بين خمائلها بليلا رقيقا يشفي العليل
وبعد أن يؤدي الشيخ صلاة الفجريدعو ربّه عزوجل, ويتلو ورده, ثم يحمل عصاه بيده يتوكأ عليها, ويغدو على حرثه وحديقته
فيدخلها مُطأطأً رأسه بكل أناة وخشوعٍ معترفا بنعمة الله عزوجل عليه, ومقراً بفضله سبحانه وتعالى
لا يفتر لسانه عن تسبيح الله عزوجل في ملكوته وجبروته وكبرياءه وعظمته, وكل شيء حوله يسبح بحمد الله تبارك وتعالى
كان لهذا الشيخ الصالح خمسة أبناء كما في رواية ابن عباس رضي الله عنهماوكان جميعهم قد بلغوا مرحلة الفتوة والشباب
وكان أوسطهم يحمل بعضا من صفات أبيه الطيبة والحميدة يقف الى جانب أبيه يحثه على مضاعفة البذل والعطاء والاحسان
أما الباقون فكانوا لا ينفكون عن لوم أبيهم بالذي يفعله بتوزيع صدقات الأرض على الفقراء والمساكين متعللين لأبيهم
بأنّ ما ينفقه على هؤلاء انما يبخسهم حقهم وينقص بذلك من أرزاقهم
ويلومونه بأنه اذا استمر على هذا الديدن من الانفاق فانهم سيغدو فقراء من بعده, يقفون وقفتهم يتكففون الناس من بعده
مرت الأيام والشيخ الصالح على ذا الحال في تعامله الى أن أقعتدته الشيخوخة عن الحركة ولزم فراشه
فقام أبناءه بمهمة العناية بالأرض والحديقة أو البستان من جني الثمار وقطافه وكالعادة يتجمّع الفقراء والمساكين عند الحديقة ينتظرون عطاءهم
الا أنّهم ردّوهم على أعقابهم ولم يبالوا باحتجاجات أخيهم الأوسط على سوء صنيعهم ثم حمّلوا دوابهم بالأحمال الوفيرة وعادوا بها الى المنزل
فسمع الأب المريض صخبا وضجيجا خارج الدار فنادى على ابنه الأوسط وسأله مستفسرا عن ذلك
فأخبره بما كان ووقف عند باب الدار ومنع اولاده من تفريغ الأحمال وأمرهم باعادتها من حيث أتوْا بها وتوزيع حق الله منها على مستحقيها
ففعلوا مكرهين مرغمين وحين عادوا بما بقي ألقى الشيخ الصالح على اولاده درساً قاسياً ولوماً وتقريعا وقال لهم...
الآن حلّ لنا وزكى وما بقي فهو حقنا ألم تقرؤوا قول الله تعالى وآتوا حق الله يوم حصاده
ولم يمكث الرجل الصالح في مرضه طويلا حتى اشتدت عليه العلة ولفظ أنفاسه وانتقل الى رحمة الله
وتمر الأيام وأجتمع الأبناء الخمسة يديرون أعمال الحديقة ويعدون العدة للجني والقطاف
فقال كبيرهم: لم يعد بعد اليوم في البستان حقٌّ للسائل والمحروم ولا لفقير ولا لقاصد أو ابن سبيل ولكل منا نصيبه بثمره ان شاء
فاننا ان فعلنا ذلك فانّ شأننا سيعلو ومالنا سيزيد فوافقه أخوته جميعا الا أوسطهم
وهو الذي قال تعالى فيه : " قَالَ أَوۡسَطُهُمۡ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ لَوۡلَا تُسَبِّحُونَ " ( أي سيروا على منهج أبيكم )
فبطشوا به وضربوه ضربا مبرحا, فلما أيقن أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم غير طائع
وأتفقوا على أن يخرجوا في الصباح قبل بزوغ الشمس فيقطفون ويعودون بأحمالهم البيت قبل تجمّع الناس أمام الحديقة
ولأنّ الله عزوجل يعلم السرّ وما تخفيه الصدور فقد علم نيّة هؤلاء الأخوة ، اذ وهم نائمون ويغطون في سبات عميق
يرسل الله عزوجل على جنتهم طائفاً بلاءً قلع نباتها من جذوره, وأسقط ثمرها, وأيبس أوراقها وأغصانها حتى باتت كهشيم المحتظر
وفي الصباح وعندما أتى الأخوة البستان وقفوا عند بابها يتساءلون ..
أهذه جنتنا التي تركناها بالأمس مورقة , مخضرّة, فواحة, مثقلة بالثمار ؟
وقف الجميع ينظرون في ذهول وعيونهم زائغة لا تكاد تستقر وعقولهم شاردة يهذون هذي المحموم
اما أخوهم الأوسط فكان هادئاً رزيناً, ينظر اليهم نظر المعتبر المذكر قائلا لهم ...
" لأنكم لم تخلصوا النية مع الله عزوجل فقد حرمكم خيرها وعطاءها قبل حرمانكم للفقير والمسكين
وجزاكم بما أسررتم به من خُبث النية ، ولقد نصحت لكم بالأمس بأن تشكروا الله على نعمته فأبيتم واستكبرتم
وكنتم قوما طاغين فأذهب الله ما بأيديكم كله وهذا عذابكم في الدنيا ولعذاب الآخرة اشد وأبقى لو أنكم تعلمون."
* الأستفــــــادة *
يستفاد من هذه القصة القرآنية أنّ الله تعالى سيجازي كل مانع لزكاة ماله ما جازى أصحاب الجنة
حيث عندما كان أبوهم الرجل الصالح يوزع أموال الزكاة على مستحقيها كان يجد أمواله تزيد من حيث لا يدري
وما ذلك الا لأنه استوعب معنى قوله تعالى: { لئن شكرتم لأزيدنكم } وقوله تعالى في سورة سبأ
{ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } .
ولأنه استوعب أيضا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ما نقص مال من صدقة
قال أبو الدحداح الأنصاري رضي الله عنه " يا رسول الله! وانّ الله عزوجل ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح
فقال: أرني يدك يا رسوا الله ! قال فناوله يده الشريفة قال : فاني قد أقرضت ربي عزوجل حائطي "
هناك أيتان في القرآن الكريم تذم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم وفيهما من الشدة ما فيهما
ولو كل منا استوعبهما تمام الاستيعاب لما وجدنا احدا منا يمتنع عن آداء زكاة ماله
الآية الأولى قوله تعالى في سورة التوبة 34- 35
((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ))
.
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق