صحيح أن كلمة «سفاح» تبدو صغيرة من حيث عدد حروفها، لكنها عظيمة من حيث المعاني التي تجسدها، إذ تصور أبشع عمليات القتل والعنف وأشدها قسوة وضراوة، فبمجرد أن يسمع البعض كلمة «سفاح» ترتعد فرائسه ويقشعر بدنه ويجف حلقه وتراود مخيلته صورة لأفظع حالات القتل وأشنع عمليات التعذيب، في الوقت نفسه يحاول البعض الآخر إظهار تماسكه مشيرًا إلى أن السفاحين مجرد أسطورة لا وجود لها في الواقع مرددًا أمثالاً لطالما تتردد على مسامعنا «اللي يخاف من العفريت يطلعله».
والحقيقة أن السفاحين كانوا ولا زالوا جزءًا من الواقع الذي عشناه ونعيشه وسنعيشه، صحيح أن أفعالهم كانت بمثابة أسطورة في نظر الكثيرين نظرًا لقسوتها وبشاعتها وشناعتها، ولكن هذه البشاعة والقسوة تحولت إلى واقع عندما صب هؤلاء السفاحين جام غضبهم على ضحاياهم وعلى نحو متسلسل ومتتابع لينتقلوا من مرحلة الأسطورة إلى مرحلة الواقع.
وبغض النظر عن الدوافع والمبررات التي دفعت وتدفع هؤلاء الأشخاص إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم الشنيعة والتي تختلف بالطبع من شخص لآخر، يظل هؤلاء وما ارتكبوه ويرتكبوه من أفعال يأنى لها القلب وتدمع لها العين مصدر قلق لأي مجتمع.
وشهد المجتمع المصري شأنه شأن غيره من المجتمعات العديد من هذه الشخصيات التي حفرت اسمها بحروف من دم في سجل أبشع الجرائم الإنسانية المصري اليوم يرصد أشهر السفاحين الذين ظهروا في المجتمع المصري على مر العصور.
ريا وسكينة «سفاحتا الإسكندرية اللتان كشفهما البخور»
سفاحتان شقيقتان، اسمهما ريا على همام، وسكينة على همام، أصولهما صعيدية نزحتا في بداية حياتهما من الصعيد «الجواني» إلى بني سويف إلى كفر الزيات واستقرتا في مدينة الإسكندرية في بدايات القرن العشرين، كونتا عصابة لخطف النساء وقتلهن بالاشتراك مع محمد عبدالعال زوج سكينة، وحسب الله سعيد مرعي زوج ريا، واثنان آخران هما عرابي حسان وعبدالرازق يوسف.
وكان سوق «زنقة الستات» القريب من ميدان المنشية هو مركز عمليات السفاحتان لاصطياد ضحاياهما، وبلغت ضحايا ريا وسكينة 17 فتاة وسيدة، وبعد تعدد البلاغات التي قدمها المواطنون بشأن اختفاء ذويهم من النساء والتي كانت تؤكد أن ريا أو سكينة كانت آخر شخصيتان مع الضحية، وبعد أن شك أحد المخبرين السريين ويدعى أحمد البرقي فيهما بسبب انبعاث رائحة بخور مكثفة من غرفة ريا توجه ليسألها عن سبب كل هذا البخور وهو السؤال الذي أثار ارتباكها وأكد شكوكه ليبلغ نائب مأمور قسم اللبان الذي كثف التحريات إلى أن تأكدت شكوكهما، وتم القبض عليهما وإعدامهما في 21 و22 ديسمبر سنة 1921.
سعد إسكندر عبدالمسيح «سفاح كرموز الوسيم الذي أسقطته الصدفة»
ولد في محافظة أسيوط، واشتهر بوسامة الوجه، وقيل إنه نزح إلى الإسكندرية ليقترض بعض المال من أقارب له، بدأ مشواره الإجرامي عام 1948 عندما قام بقتل سيدة تُدعى «بمبة» كانت تبلغ من العمر90 عاما بالإسكندرية، وبعد أن تعرفت عليه جارة القتيلة بعد أن كاد أن يقتلها هي الآخرى، ألقى القبض عليه ولكن محاميه استغل ثغرات بالقضية وتم الإفراج عنه بضمانة مالية ليختفي بعدها.
وفي عام 1951 عاد للقتل مجددًا وقتل أحد الأشخاص داخل الشونة التي كان يستأجرها بعد مشاجرة بينه وبين الضحية ليسرع بعدها شاويش الدورية ليجد جثة الرجل الذي كان يتصارع معه سعد داخل «الشونة» وآثار لحفرة في الأرض تبين بعد فحصها أن بها عظام آدمية لشخص آخر قتله سعد، وتم القبض عليه في أسيوط بعدما اشتبه فيه أحد ضباط الشرطة وقدمته الشرطة إلى النيابة التي أحالته بدورها إلى محكمة الجنايات، وصدر بحقه حكم بالإعدام وبالفعل تم إعدامه في 25 فبراير عام 1953.
محمد منصور «خط الصعيد الذي احتضنته الجبال وتسبب في وفاته صبي»
اسمه الحقيقي محمد منصور، صاحب لقب «الخُط»، ولد بأسيوط عام 1907، بدأ مشواره الإجرامي بقتل أحد أبناء قريته انتقاما لمقتل أحد أقاربه، ثم هرب إلى الجبال ليصبح من المطاردين أو «المطاريد» كما يسمونهم أهل الصعيد.
وبمرور الوقت التف حوله المطاريد والهاربين من الأحكام والخارجين على القانون وشكل عصابة للسرقة والنهب والقتل، وقيل إنه وعصابته ارتكبوا أكتر من 20 جريمة قتل وشروع في قتل، في حين قالت مصادر أخرى إنه قتل 60 شخصًا بالإضافة إلى جرائم الخطف والسلب والنهب وفرض الإتاوات والجبايات.
قتل عام 1947 في تبادل لإطلاق النار بينه وبين الشرطة بعد عمل كمين له ولمعاونيه أثناء تسلمهم فدية لصبي خطفه «الخط» يُدعى شوقي عوض حنا مطالباً أهله بفدية قدرها مائتي جنيه.
عيد بكر «سفاح بني مزار الذي حطم الرقم القياسي في القتل»
اسمه الرباعي عيد بكر عبدالرحيم دياب والملقب بـ «سفاح بني مزار»، بدأ مشواره في الجريمة كلص ماشية ثم تحول إلى مجرم وقاتل خطير، وكانت أول جريمة قتل قام بها عندما قام بقتل شقيقين معا وألقى بجثتهما في بحر يوسف، ثم قتل بعد ذلك 25 شخصًا بعد أن استدرج عائلة صديق سبق وقتله بعد أن عرف أنها تنوي الأخذ بالثأر منه، كما قتل العديد من الأشخاص الآخرين، واتهم بقتل حوالي 56 نفسًا، ويبدو أنه كان مهوسًا بالقتل إذ يعد السفاح الأول في مصر من حيث عدد الضحايا، وقتل عام 1998 في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة بعد أن رفض الاستسلام.
أحمد حلمي المسيري «سفاح المهندسين صاحب الحظ العثر»
اسمه الثلاثي أحمد حلمي المسيري، من أشهر جرائمه، الجريمة التي ارتكبها عندما قام باقتحام شقة بالمهندسين لسرقتها ولكن الأمر تطور ليقتل الخادمة وصاحب الشقة وزوجته، ومن هنا جاءت تسميته بـ «سفاح المهندسين» وله جرائم أخرى، وتم القبض عليه عام 1994، وحكم عليه بالإعدام ونُفذ فيه الحكم في العام نفسه.
وأثارت قصة حياة «المسيري» فضول بعض المؤلفين والمخرجين، وفي عام 2009 أخرج فيلم حول قصة حياته حمل اسم «السفاح» قام ببطولته الفنان هاني سلامة ونيكول سابا، لكن أسرة «المسيري» اعترضت على الفيلم وهددت بالاحتكام للقضاء لمنع عرضه، وتم عقد جلسات مكثفة بين العضو المنتدب للشركة المنتجة للفيلم، وأسرة سفاح المهندسين الحقيقي الذين حضروا من ألمانيا ولندن للتوصل لاتفاق إلى أن تم عرض الفيلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق