فتاوى القرضاوي.. وترحيب نتنياهو!!
-بقلم عبدالناصر النجار
من موقع فلسطيننا
مَن يعتقد من العرب والمسلمين أن القدس ما زالت هي قدس العرب وقلب فلسطين النابض، فهو مخطئ!! ذلك أنها مدينة فُرِض عليها واقع التهويد، فأصبحت معالمها الفلسطينية متداعيةً متناثرةً خلف متغيّر جغرافي وديمغرافي استيطاني احتلالي إحلالي.
الضربة الأولى التي وجّهها الاحتلال إلى القدس بدأت بعد أيام من النكسة في العام 1967، حين استولى جيش الاحتلال على أبواب الحرم القدسي وتحكّم بصورة رئيسة بباب المغاربة، ثم إعلانه حائط البراق (أو يُسمونه 'حائط المبكى') منطقةً دينيةً يهوديةً؛ ما استدعى في أعقاب ذلك هدم حارة المغاربة لإحداث التوسعة المطلوبة لأداء المستوطنين طقوسهم الدينية على أنقاضها!!.
تلا ذلك مسلسل الاستيلاء الممنهج على العقارات العربية بشتى الوسائل المتاحة: بالتزوير تارةً وبالاستعانة بحارس أملاك الغائبين الإسرائيلي تارةً أخرى، وبالتسريب تارة ثالثة... ليبدأ بعد ذلك مسلسل الحفريات في كل أنحاء البلدة القديمة كافة... لم يُترك حي أو باب أو زقاق إلاّ تم الحفر أسفله، وتركزت الحفريات تحت الحرم القدسي، وكم من مدارس ومبان انهارت أرضياتها بفعل تلك الحفريات.. وكم من منزل أصبح يتهدّده خطر الانهيار بفعل التشققات التي أحدثتها الحفريات في أساسات البيوت.
اليوم، هناك مدينة كاملة تحت البلدة القديمة، وكنيس يهودي تحت المسجد الأقصى... لا تنتظر إلاّ إشارة الانطلاق من قادة الاحتلال، للإعلان عن التهويد الكامل للمدينة ومقدساتها، واقتسام الحرم القدسي!!!.
بكلمات مرّة، نؤكد أن الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة من القدس ومحيطها أصبح مجرّد بؤر صغيرة في محيط استيطاني كبير، وهذا سيناريو أسوأ مما حدث في يافا بعد النكبة في العام 1948.
النقطة الأشدّ خطورةً في مسلسل التهويد هذا، هو فصل القدس عن باقي أجزاء الضفة الغربية، بعد استكمال بناء جدار الفصل العنصري، وهو المقطع الأكثر تحصيناً ومراقبة إلكترونياً، والمحاط بسياج كهربائي.. وذلك للحدّ، بكل الوسائل، من دخول الفلسطينيين إلى القدس، لتقييد أيّ حراك عربي فلسطيني يومي فيها، على الصعيد التجاري والاجتماعي والسياسي أيضاً. بمعنى آخر؛ سلطات الاحتلال قطعت الأقدام الفلسطينية المتوجهة إلى القدس، وأصدرت حكماً بالإعدام على مؤسساتها.. فأصبحت شوارعها خالية!!.
من هذا المنطلق، جاءت تحذيرات الرئيس محمود عباس من خطورة ما يجري في القدس... مناشداً الأمتين العربية والإسلامية تحمّل مسؤوليتهما تجاه المدينة ومقدساتها، التي ليست ملكاً للفلسطينيين وحدهم.. وألا يُترَك حمل الاحتلال الثقيل على كاهل الجسد الفلسطيني، الضعيف أصلاً.
حاول عباس، بشتى الوسائل، إقناع العرب والمسلمين بالزحف إلى القدس، فرادى وجماعات.. ليساهموا في تثبيت المرابطين في المدينة وأكنافها، وإعانتهم على الصمود.. وعلى تأكيد الهوية العربية للمدينة المقدسة.. وقد دفعنا، كفلسطينيين، ثمناً حتى من قوت أولادنا من أجل تثبيت الحضور العربي في القدس والأراضي الفلسطينية، من منطلق الواجب الأخلاقي والديني والعروبي.. ومن منطلق أن زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجان.
وفي أوج مسلسل التهويد والحاجة إلى الوقفة العروبية، تجيء فتوى الشيخ القرضاوي بتحريم زيارة القدس؟!!! لمصلحة مَن.. وكيف.. ولماذا.. والتوقيت؟ هذه أسئلة مشروعة.. بل أكثر من ذلك، وهناك شبهات حقيقية وراء هذه الفتوى!!
الذي عارض دعوة الرئاسة الفلسطينية هما: القرضاوي، الذي أصدر فتوى التحريم. ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر دعوات الرئيس للعرب والمسلمين لزيارة القدس والأراضي الفلسطينية، بالخطيرة وتهدد أسس السلام، لأن هذا يصبّ في خانة تدمير إسرائيل!.
أليس من غرائب وعجائب هذا الزمن أن يلتقي المفتي القرضاوي مع نتنياهو في محاربة زيارة العرب والمسلمين للقدس؟!.إذن، هي مصلحة إسرائيلية خالصة في ألا يكون هناك وجود فلسطيني أو عربي في هذه المدينة.. ولكن، ما هي المصلحة القرضاوية.. أو لمصلحة مَن يتحدث القرضاوي؟!!
زيارة القدس هي ضربة للاحتلال والاستيطان، وإغاظة لنتنياهو وأقطاب الاحتلال الأخير في هذا الكون.. وربما سيغيظ أولئك الذين يفصّلون فتاواهم على مقاس أولياء نعمتهم.. والأدلّة والبيّنات والمعلومات أكثر بكثير مما يعتقد القرضاوي.أخيراً، لا بد من ترديد الحديث النبوي الذي روته ميمونة مولاة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي قالت: قلت يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، قال: أرض المحشر والمنشر ائتوه فصّلوا فيه، فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره.. قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؛ قال: فتهدي له زيتاً يُسرج فيه؛ فمن فعل كمَن أتاه'.
لو ذهبت ميمونة من لحظتها إلى المسجد الأقصى (الذي لم يكن تحت حكم المسلمين) هل كانت ستقَع في الحرام؟!! هي أسئلة كثيرة، واستخلاصات عديدة، أهمها؛ أنّ كل زيت العرب الذي يغلي تحت قدمي القرضاوي في صحارى الملذات والتبعية، لا يساوي ما قام به الصهيوني المليونير موسكوفيتش، الذي اشترى نصف القدس، وأقام مئات الوحدات الاستيطانية فوق منازل الفلسطينيين المهدَّمة في نصفها الآخر؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق